في الوقت الذي كنت أعمل فيه لبناء الحركة الإسلامية سنة 1969، وقد خبرت المجال السياسي والحقوقي فلاحظت أن ليس فيه للإسلام ودعوته المرتقبة حاضنة رحيمة، وأن لا بد من مرور حركتنا بما يمر به الصادقون من اعتقال ومحن ومحاكمات قد لا يجد المؤمن فيها من يدافع عنه لدى المحاكم الوضعية التي يحال إليها، لا سيما وسلك المحامين حينئذ قد هيمن عليه اليساريون وأعدوا فيه جيشا من المحامين الشباب يقودهم المحامي العتيد عبد الرحيم بوعبيد زعيم حزبهم والمقرب من الملك الحسن الثاني، وعراب السياسة الفرنسية في مجال المعارضة اليسارية المغربية، فرأيت أن أعد لحركتنا طاقما من المحامين الشباب يكونون ذرعا لإخوانهم في المحن، وأن أبدأ بنفسي فأطعِّم ثقافتي الإسلامية بثقافة قانونية وضعية أدافع بها لدى المحاكم كلما تعرض الدعاة المحتمل متابعتهم للمحاكمات الظالمة المرتقبة، فالتحقت بكلية الحقوق وحصلت على الإجازة في القانون ثم التحقت بقسم دبلوم الدراسات العليا – قانون عام -، وتكاملت لدي بذلك العلوم الشرعية بالعلوم الوضعية، على رغم استغنائي عن ذلك في وظيفتي، ويقيني بأن مهنة المحاماة لا تليق بي إلا باعتبار أن ما لا يدرك الواجب إلا به واجب.
إلا أن الله سبحانه – حكمة منه ورحمة بي – أقعدني عن تقديم استقالتي من وظيفتي رئيسا للمكتب التربوي في التعليم، وعن السعي للانخراط في سلك المحاماة، وقيض لي مسارا خيرا من ذلك كله هو الهجرة في سبيله والتفرغ لدعوته. ولكنني استفدت من تلك الدراسات القانونية لاحقا فكتبت على ضوئها مرافعتي للدفاع عن الأخ إبراهيم كمال من مكة المكرمة على ضوء ملف التحقيقات الكامل الذي أحضره لي المحامي الأستاذ المامون الفاسي، وطبعتها في مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض، وأرسلت ثلاث نسخ منها بواسطة أحد طلبتنا في السعودية هو الأخ عز الدين العلام، فسلمت للأستاذ عبد السلام جمال الدين الذي تلاها أثناء المحاكمة، ثم كلفت بطباعتها في باريس أخا آخر جزاه الله خيرا.
ثم بعد ذلك فوجئت بثمرة بعض من توجه من شبابنا بعد المحنة إلى المحاماة، إذ أخبرني الأخ عبد اللطيف عدنان رحمه الله، وقد رفعت ضده دعوى الإفراغ من بيته، فوكل أحد تلامذته المحامين الشباب بالدفاع عنه وأعطاه مقابل ذلك ألفي درهم، وجرى النظر في الدعوى فتخلف المحامي الإسلامي الشاب خريج الحركة الإسلامية عن الحضور وصدر الحكم بإخراج الشيخ عبد اللطيف من بيته. ولم يعتذر (ابننا المحامي) ولم يرد ما أخذه بغير حق …
وتعلمت من هذا كله أن الثقة بالله وتسليم الأمر كله له تعالى، خير منجاة للمرء من قضاء الله وقدره، وأن التحسُّب لما يقع من الغيب وما لا يقع، وترقب الخير ممن لم يبد خيره من شره، رجم بالغيب ومسابقة غبية فاشلة للأحداث، قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الكهف 23 – 24.
مؤسس الحركة الإسلامية المغربية
فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي