لا شك أن تأسيس الحركة الإسلامية المغربية المعاصرة إذا أريد به وجه الله والعمل لإنقاذ الأمة من الضلالة، وخلا من الرياء والتسميع أو السعي للمنصب والجاه والمال والمتاجرة السياسية أو التقرب من الظالمين، عبادةٌ وعملٌ صالح مأجور عند الله تعالى – إن شاء الله -. وكذلك المساهمة في تأسيسها وبنائها ورعايتها وحمايتها وتطويرها بما لا يحوِّلها عن عقيدتها ومبادئها وهدفها، سواء كانت هذه المساهمة مبكرة أو متأخرة، أيام شباب المساهمين أو عند تمام رجولتهم بل وحتى زمن التمييز في طفولتهم، لكل منهم أجره ونصيبه عند ربه، والله سريع الحساب.
إلا أن من شروط العمل المقبول عند الله بعد الإخلاص والتزام الكتاب والسنة وصواب العمل أن يداوم المرء عليه ويثبت فيه، وألا يرتكب ما يفسده أو يشاغب عليه، أو ينقضه بالنية الفاسدة أو القول الفاسد أو العمل الفاسد، وإلا كان المرء بمثل هذه الأعمال كالحمقاء التي نقضت غزلها في قوله تعالى:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} النحل 92.
وإذ أقول هذا، فإنما لما لاحظته من تهافت بعض أبناء حركتنا الاسلامية على معاداتها، وقد ساهمَتْ في إنقاذهم وتوجيههم، فتنكروا لها وتفرقت بهم السبل عن طريقها بل ناصبوها العداء وسعوا في خرابها وكشف خاص أمرها، بما توهمه كل واحد منهم مفيدا سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو اختلافا فكريا أو عقديا مقبولا في نظرهم، أو بما لبس به الشيطان عليهم من غضب للنفس أو ردود فعل عمياء، فلا يباهون بانتسابهم السابق إليها أو مساهمتهم بأي شكل من الأشكال في تأسيسها إلا عند حديثهم عن سيرتهم الذاتية وشهاداتهم الجامعية أو ترشحهم للانتخابات أو في اتصالهم ببعض الأحزاب والمنظمات الخارجية إلخ، أو عند المفاخرة والمباهاة أو التسميع. مغفلين أن آفتين خطيرتين تحبطان عمل المرء هما:
1 – آفة الانقطاع عن العمل الصالح لا سيما إن كان عبادة مفروضة، والدعوة إلى الله كما نعلم عبادة مفروضة، ونقض ما بنى المرء منها أو نقض ما ساهم في بنائه إثم ومحق للأجر وإحباط للعمل، نعوذ بالله منه.
2 – آفة المتاجرة الدنيوية بما سبق للمرء من العضوية السابقة في الحركة الإسلامية بعد انقطاعه عنها أو المساهمة في تشويه سمعتها أو الكذب عليها أو عرقلة طريقها، مما هو عند الله من أكبر الكبائر؛ لأنه محاربة لدعوته ومساهمة عملية في محاولة هدمها وعرقلة طريقها، قال تعالى:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الصف 7.
كل هؤلاء أذكرهم بأن ما بذلوه لحركتهم الإسلامية وانقطعوا عنه أو أحبطوه بتصرفاتهم العشوائية لا يثبت عند الله إلا بالتوبة والعودة إلى العمل الصالح والمواظبة عليه ونبذ التفرقة أو العمل لها. وإيثار ما عند الله على ما عند الناس واجتناب التسميع والمراءات والمفاخرة بالعمل أو محاولة استثماره للدنيا.
وشرط آخر هو ضرورة رفع ظلمهم عن حركتهم وعن العاملين فيها ولها والكف عن عرقلة سعيها؛ لأن الكف عن الأذى وبذل الأحسن من القول مرضاة للرب مثراة للحسنات، {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} الأحزاب 58.
هذه كلمتي إلى مقام أبنائي السابقين، والحاليين واللاحقين إن شاء الله، ممن رأوا أن يواصلوا حمل الأمانة أو يحملوها مستقبلا، وقد أشرفت شمسي على الغروب، أسأل الله حسن الخاتمة، أنصحهم بها، محبة لهم في الله، وحرصا على تصحيح مسارهم والتثبيت فيه، لا لحاجة دنيوية إليهم أو انتصارا لنفس أو مصلحة أو هوى مادي أو معنوي. فإن رضوا كانت البركة، وإن كان غير ذلك فقد أبرأت ذمتي، خالص المودة والتحية للقارئ والمنتصح والشاهد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.