لم نكن ننوي التوسع التنظيمي خارج الدار البيضاء، وإن كان صيت ما أنجز فيها يبلغ صداه جميع أرجاء المغرب، فتتطلع الأفئدة إلينا مشجعة ومحاوِلة مباشرةَ الدعوة على نهجنا أو الاتصالَ بنا للاستطلاع، خاصة عندما تضايق اليساريون وأخذت صحفهم تهاجمنا علانية وبأساليب فجة فلا نرد عليها.
وكنت عادةً أجالس قريبي الشيخ محمد الحمداوي السني في زيارات متبادلة بيننا نظرا لصلة القرابة التي تجمعنا، ولاهتمامنا بالشأن الإسلامي والثقافة الإسلامية المشتركة التي نشأنا عليها في الزاوية القرآنية لجدنا المشترك الحاج أحمد التاغي بالشاوية العليا قرب مدينة ابن أحمد، فالتقيت مرة في بيته بالدكتور (…) الأستاذ الجامعي بجامعة ظهر المهراز بفاس، وتكرر اللقاء بيننا كلما زار الدار البيضاء، فحدثه الشيخ محمد الحمداوي السني عن نشاطنا وعلم بالدروس التي كنت أكتبها وأوزعها على طلبتنا، فأبدى استعدادا وحماسا لعمل مثل عملنا في مدينته فاس، وطلب أن أزوده بكل من نعده من الدروس كي يستعين بها في عمل ما نعمل، فلبيت رغبته وواظبت على تلبيتها، وعلمت منه أنه يجالس الأخ الشاهد البوشيخي الذي كنت قد تعرفت عليه من قبل بأحد مساجد الحسيمة في إجازتي الصيفية، وكان يعد شهادة جامعية عن تفسير القرطبي على ما أذكر، فأخذت أزود الأخ الدكتور (….) تباعا بدروسنا، ويزعم أنه يعمل معنا على نفس النهج في فاس، إلى ان اكتشفت أن دروسنا لا يستفاد منها مطلقا ولا تسلم لأحد في فاس، بل إننا لم نسلم من لسانه في مجالسه الخاصة والعامة، فكتمت ما علمت ولم أبده له، وقررت أن نسـتأنف التوسع خارج الدار البيضاء مبتدئين بفاس معتمدين على الله ثم على شبابنا، فاخترت نخبة من طلبتنا في التعليم الثانوي من جملتهم شابان يافعان متحمسان هما الذهبي وأبو النعيم ومعهما طالبان آخران نسيت اسميهما وشاب آخر أكبر منهم صاحب عمل حر يدعى بلال، وعرضت عليهم الانتقال إلى فاس لتأسيس فرع لنا فيها، وبعد أن وافقوا جميعا، أخذتهم في سيارتي إلى فاس، واكتريت لهم شقة صغيرة تؤويهم، واستعنت بأحد الأصدقاء الخلص في توزيعهم طلبة على عدد من ثانويات فاس، هو الأخ المجدوبي بوعمامة رئيس القسم التربوي بوزارة التعليم بالمدينة، فكانوا يدعون في ثانويتهم التي يدرسون بها وفي مساجد الحي الذي يسكنونه، وكان الأخ بلال يرعى البيت ويهيئ لهم فيه طعامهم ويدعو معهم في المساجد.
سارت أمور هذه الكتيبة الدعوية على أحسن ما يرام، وأثمرت تكوين مجموعة من أبناء مدينة فاس كانت نواة طيبة للعمل بها، إلى أن جاء يوم زارني فيه الأخوان الذهبي وأبو النعيم منزعجين وأخبراني أن البوليس داهمهم ليلا واعتقلهم، وبعد أن علم أنهم مبتعثون مني للدعوة في فاس، أطلق سراحهم على أن يعودوا إلى الدار البيضاء ويواصلوا دراستهم فيها.
لم أهتم للأمر ما دام الشباب قد عادوا إلينا سالمين واستأنفوا دراستهم ودعوتهم في الدار البيضاء بحماس ودون خوف أو تردد، إلا أن ما وقع بعد ذلك كان غريبا ومفاجئا، إذ التقيت في بيت الشيخ محمد الحمداوي بالدكتور (….) الذي يزعم العمل على نهجنا في فاس ويـأخذ دروسنا لتوزيعها فلا يظهر لها أثر في بشر أو طير أو حجر، التقيت به وهو متوتر الأعصاب سائب اللسان يحاول أن يغيظني متحديا ومعرضا بي، ومتحدثا كما قال عن (مجموعة من الأطفال القصر الذين ظهروا في مدينة فاس يتحدون أهلها، وفاس للفاسيين فقط) وأنه سمع بهم وأخبر عامل المدينة فاعتقلهم وطردهم خارج فاس، فلم أبد أي اعتراض أو استهجان لما قاله، ولم أذكِّره بأنه هو نفسه وُلد وعاش في مدينة بعيدة جدا عن فاس وينتمي إلى منطقة أشد بعدا عنها، وإنما سألته بهدوء عن اسم عامل مدينة فاس، فلما ذكره فوجئت بأنه أحد أباطرة الاغتيالات السياسية في المغرب وأنه هو من دبر محاولة اغتيال المهدي بن بركة عند مدخل مدينة بوزنيقة في حادث السيارة المشهور. فأسررت ذلك وصرفت النظر عن مجادلته أو الرد عليه ومرَّرْتُ جلستنا عادية كأن لم أسمع شيئا أو يستفزني قول من صاحبي أو عمل، وإنما اخترت بعد ذلك مباشرة مجموعة أخرى تلتحق بجامعات فاس على أسس جديدة لترعى ثمار ما أنجزته المجموعة الأولى، مجموعة الذهبي وأبي النعيم، فتم ذلك بنجاح وواصلتُ رعايتها حتى بعد هجرتي إلى مكة المكرمة.
مؤسس الحركة الإسلامية المغربية
فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي