موقف الاتجاه العلماني من مصادر التشريع الإسلامي
إذا كان موقف العلمانيين من مصادر التشريع الإسلامي – قرآناً وسنةً – يبدو أنه متقاربٌ في جوهره، فإنه متباين في بعض مظاهره وتجلياته؛ وذلك لتباين الانتماء الثقافي والعقدي لدى أصحاب الاتجاه العلماني أنفسهم.
فالمجاهرون بعداوتهم للدين لا يتحرجون من إعلان موقفهم الصريح الرافض لمصادر الأحكام جملة وتفصيلا، فهم يرون أنَّ في النقل قيوداً على العقل ووصايةً وحجراً عليه كما هو الشأن لدى دعاة الإلحاد([1]) ودعاة الوجودية([2]) وغيرها من المبادئ الوضعية المنكرة للدين. ([3])
وقد ذهب الغلاة منهم إلى رفض الفقه الإسلامي رفضاً كاملاً لمجرد كونه فقهاً إسلامياً؛ فهو – كما يرون – غير صالح للحياة. ([4])
وقد ذهب الشطط ببعضهم إلى الخوض في بعض التفسيرات على غير أساس سليم؛ من ذلك محاولتهم تفسير الآية القرآنية: } لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً { ([5])، بأن المراد من الشرعة والمنهاج – في الآية – هي شرعة العقل ومنهاجه. ([6])
وفي الاتجاه نفسه ذهب أحدهم – في تفسير الآية – مذهباً مغالياً، فقال : « أما النص بـ” لكل جعلنا منكم”، فيعني أن الله يرد التشريع إلى منكم، أي جعلنا التشريع منكم؛ أي مطابقاً لخصائصكم وتكوينكم وأعرافكم، وبمعنى أكثر تحديدا أن الله ينـزل حكمه متوافقا مع أخلاقيات الواقع وسلوكياته ضمن توافق تام مع الظرف التاريخي، فالشرعة والمنهاج هما استخلاص إلهي مقيد بشخصية الواقع، وقد أراد الله – عبر هذا النص – أن يطلعنا على نسبية التشريع المنزل تبعا للحالات التاريخية والأوضاع الاجتماعية المختلفة » ([7]) .
ولا يخفى ما في محاولة التفسير هذه من مجانبة صريحة للصواب؛ فلو كانت الشرعة المنهاج استخلاصا إلهيا مقيدا بشخصية الواقع لما احتيج إلى دعوة الإسلام أصلا ولما بذلت من أجلها الأرواح والمهج .
إن ما تثبته النصوص الصحيحة الصريحة ويؤكده الواقع التاريخي أن المنهج والشرع الربانيين جاءا ليغيرا واقع الناس وفق ما ارتضاه رب الناس لهم كافة، قال الله تعالـى : } إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً { ([8]) .
- } وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ { ([9]) .
- } لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ { ([10]).
الاتجاه العلماني ونماذج من أعلامه
إن دراسة نماذج من أرباب التيار العلماني تعطي صورةً واضحةً عن التوجه العلماني ومعالم منهجه في تناول قضايا التجديد، ويساعد على تقويم هذا الاتجاه تقويما موضوعيا بتحديد مصدر انحرافاته ومواطن زللـه.
وإذا كانت هذه النماذج كثيرةً ومتنوعةً، فإني أقتصر على تقديم بعض منها، وهي تختزل أهم ما في التيار العلماني من أسس ومنطلقات. ومن أبرز هذه النماذج :
1 – قاسم أمين :
وهو أحد الأوائل الذين رفعوا شعار التجديد، غير أنه تجديد يحاكي الغرب في كل مظاهره ضاره ونافعه، ويعكس افتتانا – لا حدَّ له – بكل ما هو وافد؛ مما شكل بداية دعوة كان لها تداعياتها الخطيرة على مجالات اجتماعية كثيرة .
لقد سار قاسم أمين في دعوته إلى التجديد متدرجا على مراحل؛ ففي المرحلة الأولى أصدر كتابه « تحرير المرأة »([11]) محاولا الظهور بمظهر المجتهد المجدد؛ فبذل جهده للتدليل على ما زعمه من أن حجاب المرأة – كما هو سائد في المجتمعات الإسلامية – ليس من الإسلام ، وأن الدعوة إلى السفور ليس فيها ما يخالف الدين وأصوله العامة، فالحجاب – كما يدعي – أصل من أصول الأدب فحسب يلزم التمسك به ، ويؤكد ذلك بقولـه: « إن الشريعة ليس فيها نص يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة، وإنما هو عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم، فاستحسنوها وأخذوا بها وألبسوها لباس الدين، كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء»([12]).
وفي إيراده لقوله تعالى : } قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { ([13]) ، يلوي قاسم أمين للآية عنقها فيقول: « إن الآية قد أباحت أن تظهر بعض أعضاء من جسم المرأة أمام الأجنبي عنها، غير أنها لم تسم تلك المواضع، وقد قال العلماء إنها وكلت فهمها وتعيينها إلى ما كان معروفا في العادة وقت الخطاب..»([14])([15]).
لقد بحث الكاتب موضوعات الحجاب واشتغال المرأة بالشؤون العامة وتعدد الزوجات والطلاق، ووظف لما ذهب إليه آيات قرآنية توظيفا غير سليم؛ وتلخص منهجه في محاولة التوفيق بين الإسلام وبين مذاهب الغربيين في مرحلة أولى، وعندما جُوبِهَ الكتاب وصاحبه بمعارضة شديدة، انتقل الكاتب إلى مرحلة ثانية أكثر جراءة كشفت عن منطلقاته وأهدافه. ففي كتابه اللاحق «المرأة الجديدة»([16]) ظهر أثر الفكر الغربي واضحا؛ حيث دعا إلى التزام مناهج البحث الأوربية الحديثة التي ترفض المسلمات العقدية السابقة، سواء أكان مصدرها الدين السماوي أم غيره، ولا تعترف إلا بما ثبت بدليل من تجربة أو واقع، وهو ما يدعى «الأسلوب العلمي» الذي يُنسب إلى باحثي الاجتماع الأوربيين. ([17])
إن المنهج العلمي قد يكون محل اتفاق وذلك في العلوم التجريبية كالطبيعة والرياضيات والكيمياء والفيزياء والهندسة والطب… أما العلوم الإنسانية التي تبحث في أسرار النفس البشرية والعلاقات الاجتماعية والقيم الخلقية، فلا يتصور فيها وجود منهج موحد، بل إن علماء الغرب أنفسهم لم يتفقوا على منهج واحد لدراسة الإنسان وما يتعلق به من جوانب نفسية وفكرية وخلقية.
ولعل من هذه الدراسات ما هو مسخر لخدمة أفكار ونظريات ربما كان من أولى أسسها محاربة الدين وهدم القيم والمبادئ الخلقية. ([18])
وهذا ما اتبعه قاسم أمين في منهجه الملتوي ، وأراد أن يظهر بمظهر مجدد العصر الذي تلمس مكمن الداء واضعا يده على الجرح، بالرغم من أنه لم يكن يوما ممن اشتغلوا بالفقه ولا بأصوله، ولم يملك أدوات الاستنباط التي تؤهله لولوج ميــدان الاجتهاد. ([19]) ولذلك فإن ما أورده من أدلة – سواء أكانت نصوصاً قرآنيةً أم تاريخيةً أم عقليةً – تعامل معه تعاملاً موجهاً لخدمة أفكاره المسبقة تحت ذريعة فتح باب الاجتهاد للنهوض بالمجتمعات الإسلامية.
وهو – على الرغم من أنه كان يوظف بعض حقائق الواقع في تشخيص أحوال الأمة وما تعانيه من أمراض – فإنه لا يلبث أن يعرب عن مقصده؛ إذ يدعو صراحةً – وفي افتتان شديد – إلى الأخذ بالحضارة الغربية وأساليبها. فبعد أن رد سبب الإعجاب الشديد بالماضي إلى الشعور بالضعف والعجز، قال : « هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه وليس له دواء إلا أننا نربي أولادنا على أن يتعرفوا على شؤون المدنية الغربية، ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها. إذا أتى ذلك الحين – ونرجو ألا يكون بعيدا – انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا قيمة التمدن الغربي وتيقنا أنه من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا إذا لم يكن مؤسسا على العلوم العصرية الحديثة، وأن أحوال الإنسان مهما اختلفت – ماديةً كانت أو أدبيةً – خاضعة لسلطة العلم؛ لهذا نرى أن الأمم المتمدنة – على اختلافها في الجنس واللغة والوطن والدين – متشابهة تشابهاً عظيماً في شكل حكومتها وإدارتها ومحاكمها ونظام عائلتها وطرق تربيتها ولغاتها وكتابتها ومبانيها وطرقها، بل في كثير من العادات البسيطة كالملبس والتحية والأكل. هذا هو الذي جعلنا نضرب الأمثال بالأوربيين ونشيد بتقليدهم، وحملنا على أن نستلفت الأنظار إلى المرأة الأوربية ».([20])
إن الثورة التي دعا إليها قاسم أمين لم تقتصر على ميدان الاجتماع، بل شملت مجالات كثيرةً أهمها الأدب واللغة؛ فقد كان من الداعين إلى كتابة الآداب باللهجات العامية، ولا يخفى ما في هذه الدعوة من محاربة للغة القرآن التي أراد لأصحابها أن ينسلخوا منها كما انسلخت الأمم الأوربية الحديثة عن لغتها الأم ( اللاتينية ) .
ومحاربة لغة القرآن الكريم موقف عدائي ضد الإسلام نفسه؛ لأن الوسيلة الضرورية لفهم هذا الدين ومعرفة أحكامه وما ارتبط به من علوم، إنما هي اللغة العربية الفصيحة كما نزل بها القرآن الكريم على خاتم الأنبياء عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إن إيراد قاسم أمين أنموذجا من النماذج العلمانية التي رفعت شعار التجديد وزعمت امتلاك منهج للاجتهاد بالرغم من أنه ليس فقيها ولا عالما بعلوم الشريعة؛ إنما كان بسبب الدور الطليعي الذي مثله منذ بداية القرن الماضي في حركة التغريب وهدم أركان الشريعة بالالتفاف الخطير على النصوص وتأويلها تأويلاً يفرغها من معاني أحكامها الصحيحة الصريحة.
2 – طـه حسين :
يُعد طه حسين أنموذجاً ممثلاً لفئة كبيرة من العلمانيين سارت على خطاه وحذت حـذوه في الدعوة إلى التجديد إلى حد الانقلاب على ما تعارف عليه الأصوليون والفقهاء من أبجديات العقيدة وبدهيات الشريعة.
والذي يقرأ مصنفات طه حسين يتبين لـه المسار الفكري الذي اختاره هو وأمثاله؛ ذلك أن الرجل بدأ مرحلته الأولى بمهاجمة الإسلام مهاجمةً سافرةً، محاولاً التشكيك في أصوله ونصوصه من خلال كتابه في «الشعر الجاهلي» الذي أثار ضجةً كبيرةً وغضباً عـامـاً استتبع ردوداً متعددةً كشفت عن تهافت الكتاب وبطـلان دعاويــه.([21])
ونظرا لقوة الضجة التي أثارها الكتاب والمصير الذي انتهى إليه ([22])، لجأ الكاتب إلى تغيير طفيف في الترتيب والأسلوب بحذف بعض العبارات التي تحمل كفراً صريحاً وهجوماً مباشراً على الإسلام، ثم أصدر كتاباً «في الأدب الجاهلي»، لكنه لم يخل -بدوره – من طعن ودس للسموم.
وفي الكتابين، أو على الأصح في الكتاب الأول والنسخة المعدلة منه دارت أهم المطاعن حول محور أساس تمثل في إنكار الوحي والقول ببشرية القرآن. ([23])
ومن أهم ما تضمنه كتاب «في الشعر الجاهلي» من إنكار صريح لما جاء به الوحي:
1 – طعن طه حسين في الدين الإسلامي بتكذيبه لما أخبر به القرآن الكريم؛ وذلك بإنكاره الوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، حيث يقول: « للتوراة أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة » ([24]) .
2 – ذهابه إلى أن المسلمين ربطوا بين الإسلام من جهة ودين إبراهيم من جهة ثانية كي يثبتوا أولية الإسلام في الحجاز، وكي يوجدوا له جذورا في المنطقة، يقول: « أما المسلمون، فقد أرادوا أن يثبتوا للإسلام أوليةً في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأن خلاصة الدين وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل » ([25]) .
3 – ذهابه إلى تفسيرات مخالفة لما تفيده الآيات الصريحة؛ فقد زعم أن مودة النصارى للمسلمين ليس سببها أن منهم قسيسين ورهباناً كما جاء في الآية الكريمة([26])، وإنما مرجعها – كما ادعى – قلة احتكاك المسلمين بالنصارى لانعدام وجودهم حول المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية الأولى : « وأما نصرانية النصارى، فلم يكن معارضتها الإسلام إبان حياة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قوية قوة المعارضة الوثنية اليهودية… لماذا؟ ؛ لأن البيئة التي ظهر فيها النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لم تكن بيئةً نصرانيةً، إنما كانت وثنيةً في مكة ويهوديةً في المدينة، ولو ظهر النبي [صلى الله عليه وسلم] في الحيرة أو نجران للقي من نصارى هاتين المدينتين ما لقي من مشركي مكة ويهود المدينة » ([27]) .
4 – وضعه القرآن الكريم مع التاريخ والأساطير في صف واحد بصفتها المصادر الموثوقة للحياة الجاهلية؛ يقول في هذا السياق : « وإن العصر الجاهلي القريب من الإسلام لم يضع، وإنَّا نستطيع أن نتصوره واضحاً قوياً بشرط ألا نعتمد على الشعر، بل على القرآن من ناحية والتاريخ والأساطير من ناحية أخرى » ([28]) .
5 – تشكيكه الخطير في الأحكام السابقة عن الشعر الجاهلي من خلال ادعائه أنه شعر منتحل ومصطنع لأسباب تتعلق بالدين والشعوبية واختلاف الرواة ([29])؛ فما نقل عن فحول شعراء الجاهلية يقول عنه طه حسين : «إنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب، أو صنعة النحاة، أو تكلف القصاص، أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين» ([30]).
وإذا كان كثيرون قد تولوا الرد على مزاعم طه حسين في كتابه عن الشعر الجاهلي؛ فإنه لا يفوت في هذا المقام الإشارة إلى أكبر خلل منهجي وقع فيه. ذلك أنه ينطلق في بحثه من فروض هي مجرد تخيل قائم على الحدس والظن، غير أنه يسير في بحثه وكأن هذه الفروض قد ثبتت صحتها وسلّم بها حقيقة، ثم يقفز إلى استنتاجات يعدها نتائج علمية؛ مثال ذلك : افتراضه أن ما رُوي عن ابن عباس من حفظ الشعر القديم والاستشهاد به في معرض تفسير القرآن الكريم، إنما هو مجرد اختراع وُضع للبرهنة على أن ألفاظ القرآن الكريم كلها مطابقة للفصيح من لغة العرب – ولا يخفى ما في هذا الزعم من بطلان – ، أو أنه اختراع وُضع لإثبات أن ابن عباس كان من أحفظ الناس لكلام العرب الجاهليين، وعليه فإن إثبات قوة الذاكرة لابن عباس يخدم أهداف الشيعة السياسية؛ لأن ابن عباس كان يشهد بأن عليا أقوى منه ذاكرة.
وهذه الفروض التي ليس لها أي أساس علمي أو تاريخي، يبدأ صياغتها- غالبا -على نحو :
- «أليس من الممكن أن تكون قصة ابن عباس قد اخترعت لكذا وكذا من الأسباب ».
- «أليس من الممكن أن …»
- «لعل …»
- «أكاد أعتقد …»
هذه الفروض يحولها طه حسين بـ«لعل» و بـ«أليس من الممكن» من محض افتراضات واحتمالات بعيدة إلى نظريات ثابتة ونتائج علمية مؤكدة؛ حيث ينتهي إلى القول : « ولكننا محتاجون بعد أن ثبتت هذه النظرية (؟!) أن نتبين الأسباب المختلفة التي حملت الناس على وضع الشعر وانتحاله بعد الإسلام » ([31]) . ولا يجد الباحث أي سند علمي يفيد ثبوتها.
إن خطورة دعاوى طه حسين حول الشعر الجاهلي لا تقف عند حد الشعر الجاهلي نفسه، ولو كان الأمر كذلك لكان هيِّناً، ولكن مَكْمَن الخطر أن المسألة تمس النص الإلهي الموحى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ إذ تحيله إلى نص بلا دليل من لغة العرب يدل عليه ويصدق إعجازه. ([32])
ذلك أن النص القرآني – عندما نزل – كانت العرب قد وصلت إلى قمة الفصاحة والبيان، فنـزل هذا النص ليعجزهم عن أن يأتوا بمثله أو بأقل سورة منه. قال تعالى:
- } أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {([33]).
- } وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ ([34]).
- } أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِـــــــــــــــــهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ { ([35]).
والرقي اللغوي الذي وصله العرب – فصاحةً وبياناً -، جله كان شعراً لا نثراً، فلم تخل قبيلة – من قبائل العرب – من شاعر أو شعراء يتبارون في نظم أبلغ شعر وأعذبه، وكفى الشعر تأثيراً أن بيتا أو بضع أبيات منه كانت كفيلةً بالرفع من شأن قبيلة كلها أو الحط منها، بل كانت سببا كافيا لإشعال نار الحرب أو إطفائها.
وهذه العناية البالغة بالشعر – في عصر ما قبل الإسلام – شاهدٌ على حفظ اللغة أولاً، وبرهان على مستوى السمو والرقي الذي وصل إليه العرب بها ثانياً.
ودعوى طه حسين إنكار الشعر الجاهلي لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة – كما يقول أحد الباحثين – : « هو نزول النص الإلهي في أمة لا شاهد لها على فصاحة لغتها وإبانة لسانها؛ مما يجعل آيات كثيرةً من النص عرضةً للتقول بأنها غير ذات موضوع؛ لأنها أتت تتحدى العرب بفصاحة لغتهم وبلاغتها، وفي إنكار الشعر الجاهلي – الذي أودع لغة العرب فحفظها لهم – يصبح موضوع التحدي غير قائم أصلاً…»([36]).
هذه هي النتيجة الخطيرة التي تترتب على ما ادعاه طه حسين: تحويل لغة النص الإلهي إلى لغة لا دليل على أنها لسان عربي مبين إلا النص نفسه؛ مما يفتح المجال – واسعاً – أمام المنكرين للنص وقدسيته ليتقولوا عليه وعلى لغته الرصينة ما شاءوا من تقول وافتراء.
ومع أن دعاوى طه حسين قد حوصرت في مهدها بردود كثيرة، فإن تداعياتها لم تختف تماما؛ فقد مثلت أنموذجاً لكثير ممن جاءوا بعده وحاولوا الظهور بمظهر المجتهد المجدد كذلك، وهم – في حقيقتهم – لم يتجاوزوا تقليد أرباب الاستشراق الذين لم يأل كثير منهم جهداً للطعن في الإسلام وحقائقه الكبرى.
إن طه حسين وقاسم أمين وغيرهما ممن ساروا على نهجيهما لم يضيفوا شيئا أكثر من ترديدهم لآراء كبار أساتذتهم المستشرقين، وقد كفى بعض الباحثين مؤونة البحث والتقصي في هذه المسألة بتحقيق المرجع الأصلي لكل الدعاوى الخطيرة من مثل دعوى إنكار الشعر الجاهلي، حيث عقدوا مقارنات بين آراء الأستاذ المستشرق – المتقدمة زمنا طبعا – وبين صدى هذه الآراء لدى التلميذ المقلد.
والنتيجة التي انتهت إليها المقارنات هي أن ما زعمه طه حسين حول الشعر الجاهلي إنما هو إعادة صياغة لرأي([37]) المستشرق مرجليوت ([38]) ، وأن ما أراد أن يصل
إليه من فكرة بشرية القرآن إنما هو استنساخ لرأي المستشرق الإنجليزي جب.([39])([40])
حسن حنفي أنموذجاً معاصراً
حسن حنفي([41]) أنموذج آخر من النماذج التي يمكن تصنيفها في سياق الاتجاه العلماني وإنْ كان له ما يميزه عن كثير من العلمانيين، فالرجل مطلع على الفلسفة الغربية قديمها وحديثها، ومطلع على مجالات معرفية إسلامية متعددة، وقد نقد كثيراً من رواد الاتجاه العلماني الذين استعاروا مناهج الغرب وأدواته في دراسة التراث وتحليله([42]) ، غير أنه وقع في أخطر مما نقد فيه غيره عندما قدم مشروعه الفكري الضخم وقصد به قراءة التراث قراءةً جديدةً سعياً لإعادة بنائه في ضوء هذه القراءة وهو ما سمَّاه: « التراث والتجديد » .
مشروع « التراث والتجديد » يتجه إلى ثلاثة جبهات – كما عبَّر عنه صاحبه :
– الجبهة الأولى :
وتتضمن الموقف من التراث القديم ومحاولة إعادة بنائه طبقاً لظروف العصر، وتأتي هذه الجبهة في سبعة أجزاء :
- الجزء الأول : تناول فيه علم أصول الفقه من خلال أطروحته « مناهج التأويل في أصول الفقه »، ويهدف فيها – كما يقول – إلى بناء علم أصول الفقه من جديد.
- الجزء الثاني : وقد جاء متضمنا في كتابه « من العقيدة إلى الثورة »، وحاول به – كما يقول طبعا – إعادة بناء علم أصول الدين.
- الجزء الثالث : في مشروع « من النقل إلى الإبداع » لإعادة بناء علوم الحكمة.
- الجزء الرابع : في مشروع « من الفناء إلى البقاء » لإعادة بناء علوم التصوف .
- الجزء الخامس : في مشروع « من النقل إلى العقل » لإعادة بناء العلوم النقلية المرتبطة بالقرآن، والحديث، والتفسير، والسيرة، والفقه.
- الجزء السادس : في مشروع « الوحي والعقل والطبيعة » لإعادة بناء العلوم الرياضية والطبيعية : الحساب، والجبر، والهندسة…
- الجزء السابع : في مشروع « الإنسان والتاريخ » لإعادة بناء العلوم الإنسانية: اللغة، والأدب، والجغرافية، والتاريخ.
– الجبهة الثانية :
وقد خصصها للموقف من التراث الغربي: « من أجل تحرر الأنا من الوقوع في تقليد الغرب بعد أن تحررت من تقليد القدماء…» ([43])…
– الجبهة الثالثة والأخيرة :
يحدد فيها الموقف من الواقع، أو يقدم نظريةً للتفسير يحاول فيها –كما يقول- : « أن ينظر الواقع تنظيراً مباشراً دون قراءته من خلال نص مدون سواء كان من القدماء أم من الغرب الحديث…فليس المهم قراءة نص قديم بل إبداع نص جديد»([44]).
هذا هو مجمل المشروع([45]) الفكري كما وضحه واضعه نفسه الذي يصفه بأنه مشروع كلي يختلف عن مشاريع عصر النهضة منذ القرن الماضي لاشتماله على كل عناصره؛ إذ يتضمن التراث القديم والتراث الغربي والواقع المباشر، ويتناول – كما يقول – : « الفكر الإسلامي المعاصر كله بجهاته وتياراته ورواده في مشروع واحد كبير يعتمد على الأصول ويجتهد في الفصول والفروع، ويطوره من منظور كلي واحد في نظرة شاملة للمرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة »([46]) .
ويختلف هذا المشروع – كما يقول صاحبه – عن غيره من المشاريع المعاصرة في أنه لم يتبن مشروعاً غربياً ولا فلسفةً غربيةً ثم يقرأ التراث القديم من خلالها كما هو في الماركسية العربية أو الوجودية العربية ([47])… وهذا ما يعيبه على كثير من المفكرين المعاصرين؛ لأن فيه عيبين رئيسين :
الأول : اجتزاء المنهج أو المذهب الغربي خارج إطاره الحضاري ثم إسقاطه على حضارة مختلفة، ومن ثَمَّ يصبح الغرب هو الأصل والتراث القديم هو الفرع.
الثاني : اجتزاء التراث القديم وتلوينه؛ فمرة يكون ماركسياً، ومرة يكون وجودياً، دون دراسة في نشأته وتفاعلاته الخاصة في واقعه الخاص ([48]).
كما يختلف هذا المشروع عن مناهج المستشرقين الذين يسقطون أحكاماً غربيةً مسبقةً على التراث الإسلامي، يقول حنفي : « لسنا مستشرقين ننظر إلى حضارتنا من الخارج، بل نحن أصحاب الدار نتحمل نفس المسؤولية. مهمتنا إعادة القراءة والتطوير، بل بداية مرحلة جديدة وتحول تاريخي عن طريق التأويل الجديد للكلام القديم …» ([49]) .
لقد أجاد حسن حنفي وهو يشخص الداء العضال الذي يصيب باحثين كثيرين وهم يدرسون التراث الإسلامي؛ وهو استعارتهم لمناهج غربية وإخضاع التراث المدروس لتلك المناهج والأدوات الغربية؛ مما يؤدي إلى نتائج خاطئة وبعيدة عن الموضوعية ومناهج البحث العلمية الرصينة، ومما يشوه مادة التراث المدروسة أو التراث نفسه.
غير أن حسن حنفي الذي أدرك علة الباحثين – لاسيما العلمانيون – وقع فيما هو أخطر من ذلك في مشروعه الضخم «التراث والتجديد»، والذي يريد – من خلاله – أن يعيد النظر في العلم كله ونقله من الماضي إلى الحاضر([50]) . ولعل النتيجة التي يصل إليها أخطر مما وصل إليه غيره؛ لأنه لم يلجأ إلى استعارة مناهج غربية، وإنما ابتدع أدوات خاصةً – بدل استيرادها – لنسف التراث كله وإفراغه من محتواه، فهو يقول: « إن ضحى التنوير يمكن أن يستمر بالتحديث من الداخل عن طريق إعادة بناء الموروث كله؛ أي العلوم القديمة وبآلياته الخاصة بناء على التحديات الرئيسة للعصر، فيتم تحويل علم الكلام من الأشعرية إلى الاعتزال كما حاول محمد عبده في «رسالة التوحيد»، ومن الاعتزال إلى الثورة كما حاولنا في « من العقيدة إلى الثورة»، حتى تتحول العقيدة إلى إيديولوجية ثورية للعرب والمسلمين… »([51]) .
فإذا كان الآخرون قد عجزوا عن الهدم من الخارج؛ فإن حسن حنفي حاول الهدم من الداخل بمعول «التأويل»، تأويل كل المصطلحات، من مصطلحات العقيدة إلى مصطلحات الأصول.. وهو لا يكتفي بنقد التراث الديني، بل يرى أن نقد الدين هو المقدمة الضرورية لتحريك الواقع وثورته([52]) .
ولعل القارئ لمؤلفات حنفي يكتشف – بيسر – أن الرجل على الرغم مـن الحذلقات اللغوية التي يدرجها في سياق كتاباته والمصطلحات الفلسفية التي تفيض بها كتبه لا يملك – في أكثر من موضع – إلا التصريح بموقفه الفكري وبالمنهج الذي اختاره لتحقيق هذا الموقف على أرض الواقع؛ ففي أثناء ذكره لاتجاهات التجديد يستعرض الاتجاه الرافض لكل ما هو من التراث القديم بذريعة أنه لا قيمة له في ذاته وأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره… ويقول عن أصحاب هذا الاتجاه: «والحقيقة أن هذا الموقف يكشف أيضا عن وجود فئة من الناس استطاعت أن تتحقق بما لم يصل إليه سائر أفراد المجتمع من علم وحماس وشجاعة ورغبة في التغيير وجذرية ونقاء، ولكنها تسبق الغالبية العظمى بمراحل وتنتهي إلى العزلة. فهي على حق من حيث المبدأ وعلى خطأ من حيث الواقع، فتسرع بإعادة البناء والقديم ما زال قائما، تبني فوق بنيان متهدم قائم دون أن تكمل الهدم لتعيد البناء من جديد، وحياة الشعوب لا تتغير في لحظة.. »([53]) . ذلك ما ينبغي – إذن – أن يكون – حسب تصور حسن حنفي – : الهدم لإعادة البناء من جديد؛ وهو ما سعى إليه – حينما حاول أن يأتي على بناء العقيدة والشريعة من أساسه – بدعوته إلى قلب أهم المصطلحات الإسلامية.
فالعلوم الأساسية في التراث الإسلامي – كما يرى حنفي – ما زالت تعبر عن نفسها بالألفاظ والمصطلحات التقليدية التي نشأت بها هذه العلوم والتي من شأنها أن تقضي على مضمونها ودلالتها المستقلة وأن تمنع أيضا إعادة فهمها وتطويرها: « يسيطر على هذه اللغة القديمة الألفاظ والمصطلحات الدينية مثل : الله، الرسول، الدين، الجنة، النار، الثواب، العقاب، كما هو الحال في علم أصول الدين، أو القانونية، مثل : الحلال، الحرام ، الواجب، المكروه كما هو الحال في علم أصول الفقه…» ([54]) . ثم يتهم اللغة العربية بعجزها عن التعبير عن مضامينها المتجددة وفق متطلبات العصر، بسبب طول مصاحبتها للمعاني التقليدية التي يريد التخلص منها.([55])
وفي سياق نقده للغة «التقليدية» التي يعدها لغةً إلهيةً يرى أن لألفاظها دلالاتٍ متعددةً؛ بل إن أهم هذه الألفاظ وهو اسم الجلالة «الله» يرى فيه حنفي – كما يقول- : « إن لفظ «الله» يحتوي على تناقض داخلي في استعماله باعتباره مادةً لغويةً لتحديد المعاني أو التصورات، وباعتباره معنى مطلقاً يراد التعبير عنه بلفظ محدود؛ وذلك لأنه يعبر عن اقتضاء أو مطلب، ولا يعبر عن معنى معيّن، أي أنه صرخة وجودية أكثر منه معنى يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة أو بتصور من العقل. هو رد فعل على حالة نفسية أو عن إحساس أكثر منه تعبيراً عن قصد أو إيصال لمعنى معين؛ فكل ما نعتقده ثم نعظمه تعويضاً عن فقد يكون في الحس الشعبي هو “الله” … فالله لفظة نعبر بها عن صرخات الألم وصيحات الفرح؛ أي أنه تعبير أدبي أكثر منه وصفاً لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفاً خبرياً. وما زالت الإنسانية كلها تحاول البحث عن معنى للفظ “الله”، وكلما أمعنت البحث ازدادت الآراء تشعباً وتضارباً..»([56]) .
إن حسن حنفي لا يكتفي بنقد اللغة التي يدعوها «لغة تقليدية» ويرى فيها «لغة قاصرة» لا تفي بحاجات العصر، وإنما يقترح لغة جديدة تتلافى «عيوب اللغة التقليدية» التي تعوق التعبير والإيصال، لغة بخصائص جديدة يمكن بواسطتها سهولة التعبير عن المضمون ودقة إيصال المعنى المطلوب. وأهم هذه الخصائص كما يقترحها حنفي :
- أن تكون هذه اللغة عامةً، بل وأكثر درجات اللغة عموماً حتى يمكن بها مخاطبة كل الأذهان؛ يقول : « فمثلا لفظا عام وخاص في أصول الفقه لفظان عامان يمكن لكافة الأذهان فهم المراد منهما، بل ومناقشة المضمون واقتراح تغيير أحدهما أو تغييرهما تغييراً كاملاً. وكل مصطلحات أصول الفقه خاصة فيما يتعلق بمناهج الرواية أو مناهج اللغة ألفاظ عامة يمكن أن تنطبق على أي تراث وعلى أي نص ديني…»([57]) .
- أن تكون مفتوحةً تقبل التغيير والتبديل إما في المفهوم أو في المعنى، بل حتى في الوجود إبقاءً أو إلغاءً بالكلية.
- أن تكون عقليةً حتى يمكن التعامل بها في إيصال المعنى، وأية لغة قطعية لن تعبر عن شئ؛ لأنها مغلقة على نفسها..واللغة القطعية لغة توقيفية خالصة إما أن تقبل أو ترفض، ولكن لا يمكن تغييرها أو إعطاؤها معاني جديدةً، في حين أن اللغة العقلية هي التي يفهمها كل الناس بلا شرح أو تعليق أو سؤال أو استفسار، بل يفهمها العقل بطبيعته ويتعامل معها كأنها منه…
- أن يكون لها ما يقابلها في الحس والمشاهدة والتجربة؛ ليمكن ضبط معانيها والرجوع إلى واقع واحد يكون محكّاً للمعاني ومرجعاً عند التعارض والتضارب، يقول : « فألفاظ الجن والملائكة والشياطين بل الخلق والبعث والقيامة، كلها ألفاظ تجاوز الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها؛ لأنها لا تشير إلى واقع، ولا يقبلها كل الناس، ولا تؤدي دور الإيصال…» ([58]) .
- أن تكون إنسانيةً لا تعبر إلا عن مقولة إنسانية كالنظر والعمل، والظن، واليقين، والقصد، والفعل، والزمان، .. أي ما يشير إلى جانب من جوانب السلوك الإنساني في الواقع المعاش بغض النظر عن عقيدة الإنسان أو مذهبه أو تياره الفكري، ويؤكد [حنفي] –قائلاً – : « أما اللغة التي لا تعبر عن مقولات إنسانية مثل “الله”، و”الجواهر المفارقة”، و”الشيطان”، و”الملاك”، فهي لغة اصطلاحية عقدية تشير إلى مقولات غير إنسانية إلا إذا أولناها وفسرناها وأعطيناها مدلولات إنسانية فـ”ـالله” يصبح : هدف الإنسان وغايته ورسالته ودعوته في الحياة، و”الشيطان” يصبح هو المعارض الذي يمثل الغواية والخطأ والحافز … وبالتالي يمكن نقل عصرنا من مرحلة التمركز حول «الله» وهي المرحلة القديمة إلى التمركز حول الإنسان وهي المرحلة الحالية.. عصرنا الحالي هو عصر الإنسان تلك هي مهمة «التراث والتجديد» في أول محاولاته من أجل إعادة بناء علم أصول الدين على أنه “علم الإنسان”»([59]) .
- أن تكون عربيةً، وليست مستعربةً أو معربةً عن طريق النقل الصوتي للغات الأجنبية وألفاظها بدعوى قصور اللغة العربية، ويعيب حسن حنفي – هنا – على من يُدْعَوْنَ “مفكري الحداثة” لاسيما من أهل الشام وأهل المغرب لجوءهم إلى ألفاظ مستهجنة بدعوى التحديث. ([60])
هذه هي خصائص اللغة الجديدة التي يقترحها حنفي؛ وهو يعد ذلك فتحاً كبيراً وتأسيساً لعلم جديد؛ لأنه يرى أن اكتشاف لغة جديدة هو اكتشاف للعلم؛ أي أن التجديد – عن طريق اللغة – هو بداية العلم الجديد. ([61])
إن ما يقترحه [حسن حنفي] من مشاريع، وما يقدمه من تصورات وأدوات لتحقيق هذه التصورات، مؤداه – كما يقول أحد الباحثين – هو: « محاولة لأَنْسَنَةِ الدين وتفريغه من محتواه؛ وذلك بإلغاء ثوابته .. ومقدساته من الله والنبوة إلى الرسالة إلى الوحي إلى الغيب، إلغاء كل ذلك بإعطائها مضامين ومفاهيم إنسانية أرضية »([62]).
وأوضح ما تتجلى هذه الأنسنة في محاولة حنفي هدم أهم العلوم الإسلامية – علم العقيدة وعلم الأصول – ، وبناء علوم جديدة بمواصفات لغوية تناقض أبجديات العقيدة وبدهيات الشريعة، كل ذلك تحت عنوان عريض سماه «منطق التجديد اللغوي».
وباستخدام هذا المنطق يمارس صاحب «التراث والتجديد» خلطاً شنيعاً بيـن المصطلحات الأساس في العقيدة؛ فـ”ـالإيمان” و”الإلحاد” – في نظره – مقولتان نظريتان لا تعبران عن شئ واقعي، وهي قضايا نسبية : فما يظنه البعض أنه إلحاد قد يكون هو جوهر الإيمان، وما يظنه آخرون إيمانا قد يكون هو الإلحاد بنفسه.
ويذهب في «منطقه اللغوي الجديد» إلى أقصى مداه بادعائه أنه ليس المقصود من الوحي إثبات موجود مطلق غني لا يحتاج إلى الغير، ويضيف قائلاً : « بل المقصود منه تطوير الواقع في اللحظة التاريخية التي نمر بها والتي تحتاج إلى من يساعدها على التطور…» ([63]) .
وبعد ابتداع ما أسماه «منطق التجديد اللغوي» والذي أفرغ به مصطلحات العقيدة والشريعة من مضامينها،انتقل إلى ما ادعاه باكتشاف مستويات حديثة للتحليل([64])،وأهم هذه المستويات هو «الشعور»([65]) ؛ حيث اعتبره مستوى خصباً لتحليل المادة التقليدية، بل إنه عدَّ فهم قضايا الفقه وقضايا الأصول – أصول الفقه وأصول الدين – لا يتم إلا بترجمة هذه القضايا إلى شعور. يقول : « … ومسائل المعاد كلها وصورها الذهنية ترجعنا إلى الشعور من حيث هو تصوير لنهاية العالم من أجل التأثير فيه. والنبوة تفترض – أساساً – وجود الشعور…والإلهيات ذاتها تعبير عن إحساس الإنسان بالكمال وتشخيصه هذا الكمال في الموجود الأول وصفاته المطلقة ..» ([66]).
وينتقل حنفي من اختزال كل الوجود في مواقف يترجمها الشعور ويعبّر عن حقيقتها إلى القول بأن : « نصوص الوحي نفسها ليست كتابا – أنزل مرة واحدة – مفروضا من عقل إلهي ليتقبله جميع البشر، بل مجموعة من الحلول لبعض المشكلات اليومية التي تزخر بها حياة الفرد والجماعة. وكثير من هذه الحلول قد تغيرت وتبدلت حسب التجربة على مقدار الإنسان وقدرته على التحمل. وكثير من الحلول لم تكن كذلك في بادئ الأمر معطاة من الوحي، بل كانت مقترحات من الفرد أو الجماعة ثم أيدها الوحي وفرضها… وهذا معنى أسباب النـزول »([67]).
إن حنفي يرمي بكلامه إلى ربط النصوص بأحداثها وظروفها فهماً وإلزاماً؛ مما يحصرها في وعاء ضيق يقضي على عمومية الخطاب التشريعي وصلاحيته الزمانية والمكانية، وقد قال الله تعالى :
– } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {([68])
– } وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {([69]) .
صحيح أن كثيراً من التكاليف قد ورد في مناسبات محددة ولأسباب خاصة، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الأصوليون وكما يوضحه الغزالي بقوله : « ورود العام على سبب خاص لا يسقط دعوى العموم… والدليل على بقاء العموم أن الحجة في لفظ الشارع لا في السؤال والسبب… وأكثر أصول الشرع خرجت على أسباب »([70]).
إن ما يميز الخطاب الإلهي شموله وعموميته، وإلا لما كان موجهاً إلى كل إنسان في كل زمان، أما الظروف والأسباب الخاصة التي حفت الخطاب – أثناء نزول الوحي – لا تعدو أن تكون مجرد مناسبات للتكليف لا تدخل في بنية الخطاب، ولو دخلت في بنيته لجاءت متضمنة في ألفاظه وتراكيبه. فإذا ما عُدَّتْ عنصرا مخصصا للفهم تخصيصا زمنيا، يؤول الأمر – حينئذ – إلى نقض الشريعة التي يُعد الخطاب الإلهي أهم وسيلة لإثبات أحكامها. ([71])
وحسن حنفي يحاول توظيف «أسباب النـزول» في غير سياقها الموضوعي ليصل – من خلالها – إلى نتائج خطيرة تعبر – صراحة – عن موقفه وعن مقصده من محاولة البناء التي ادعاها : « ويمكن إعادة بناء علم أصول الفقه من النص إلى الواقع، وإعطاء الأولوية للواقع على النص، تمشيا مع روح “أسباب النـزول” أولوية المكان ، و”الناسخ والمنسوخ” أولوية الزمان، ومن ثم تكون أولوية ترتيب المصادر من الاجتهاد إلى الإجماع إلى الحديث إلى القرآن، صعوداً من الخاص إلى العام، وليس نزولاً من العـام إلى الخاص لتشجيع الاجتهاد والتعامل مع الواقع مباشرة دون التوسط بالنص»([72]).
بمثل هذه الجراءة الواضحة يؤسس حنفي فهمه العقلي لنصوص الوحي – حتى ما كان منها قطعياً – على معطيات الواقع الإنساني بكل مكوناته وتناقضاته ومستجداته التي يعبر عنها كثيرون بما يسمونه «روح العصر»، فهو يريد أن يشتق أفهاماً جديدةً لنص الوحي مسايرة لروح العصر ومخالفة للأفهام القائمة على خصوصية ظروف التنـزيل.
إن الواقع الذي يريد حنفي – وغيره كثيرون – أن يخضعوا فهم النص لـه، هو واقع متطور، ولكن تطوره ليس دائماً إيجابياً، فإذا كان الإنسان قد ارتقى في مجال اكتشاف حقائق الكون والوجود المادي، فإن هذا الرقي قد واكبه أسوأ ما عرفت البشرية من تظالم وبغي واضطهاد وتقتيل بآخر ما تفتقت عنه العبقرية العلمية من وسائل الموت والدمار . كما واكب الرقي المادي انحطاطٌ لكثير من القيم والأخلاق حتى سادت ظواهر التفكك الأسري والإباحية الجنسية والثراء الفاحش الذي يحصر الثروات كلها في يد فئة مستغلة ويدع الملايين من البشر يموتون جوعا …وأصبحت هذه الظواهر عادات وتقاليد، بل أعرافاً مقبولة باسم «روح العصر» ([73]).
إن منطق الواقع يؤكد أن ما يعانيه الإنسان – من شقاء وما تعانيه المجتمعات من تفكك وضياع -يرجع – في أعظم أسبابه – إلى غياب الفهم الصحيح للنصوص التي استبعدت من حياة الناس أصلاً واستعيض عنها بتحكيم سلطة الواقع.
إن حسن حنفي ينتهي بمشروعه هذا إلى نتائج تتفق مع المقدمات التي انطلق منها؛ وهو مدرك تمام الإدراك لما انتهى إليه فيتساءل : « فإن قيل : إن «التراث والتجديد» سيؤدي إلى حركة علمانية ؟ ».
ويجيب عن تساؤله – بدفاعه المستميت عن العلمانية وأسباب نشأتها في الغرب -قائلا: « نشأت العلمانية استرداداً للإنسان لحريته في السلوك والتعبير، وحريته في الفهم والإدراك، ورفضه المطلق لكل أشكال الوصايا عليه، ولأي سلطة فوقه إلا من سلطة العقل والضمير. العلمانية – إذن – رجوع إلى المضمون دون الشكل، وإلى الجوهر دون العرض، وإلى الصدق دون النفاق، وإلى وحدة الإنسان دون ازدواجيته، وإلى الإنسان دون غيره. العلمانية – إذن – هي أساس الوحي؛ فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور. وما شأننا بالكهنوت ، وما العلمانية إلا رفض له ؟ العلمانية في تراثنا وواقعنا هي الأساس واتهامنا باللادينية تبعية لفكر غريب وتراث مغاير وحضارة أخرى»([74]).
وبهذا يصنف حسن حنفي نفسه ويحدد اتجاهه بشكل صريح لا التواء ولا تأويل فيه، ولا احتمال يداخله أو يخفي مقصود صاحبه في مشروعه الفكري الضخم «التراث والتجديد».
إن ما ابتدعه [حنفي] وأمثاله – من مناهج لدراسة التراث، وما اعتمدوه من آليات لتقويمه – يحمل – في طياته – تناقضاتٍ منهجيةً ومغالطاتٍ منطقيةً لا يمكن إلا أن تنتهي – بأصحابها – إلى نتائج كتلك التي انتهى إليها حنفي ومعه العلمانيون العلنيون منهم والمتسترون.
ولعل مصدر الخلل المنهجي – لدى هؤلاء – اعتمادهم المادة أساساً للتحليل وإنكارهم الغيب – سواء كان هذا الإنكار صريحاً أو مبطناً -، وإخضاع قضايا الغيب – بدعوى أنها محض مادة متطورة – إلى مقاييس مادية غير قادرة على استيعابه أو الإحاطة به([75]). مما يدل على جهل أصحاب هذا المنهج أو تجاهلهم لخصائص المنهج الإسلامي للمعرفة المرتكز على القضيتين الأساسيتين: قضية:مجال المعرفة، وهو الغيب والشهود، ومصادر البحث فيهما، وقضية: أداة المعرفة، وهي العقل والقلب، وكيف يعملان تعاوناً أو تنافياً، ترادفاً أو توازياً. ([76])
[1] – الإلحاد :أو المذهب الإلحادي : نسق من الأفكار التي ترفض الاعتقاد بما يجاوز الطبيعة. أو هو كل موقف أو مذهب ينفي وجود الله. والأساس الفلسفي للمذهب الإلحادي هو المادية. الموسوعة الفلسفية العربية، رئيس التحرير: معـن زيادة. بيروت، معهد الإنماء العربـي. ط: 1. (1988م). 2/168.
[2] – الوجودية : اتجاهات فلسفية متعددة تُجمع على أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته وعلى أن هذا الوجود هو الواقع اليقيني الأول للفلسفة. وقد توزعت هذه الاتجاهات ما بين وجودية مسيحية ووجودية ملحدة ووجودية فردية… م.س. 2/1504.
[3] – زكي نجيب محمود يمثل أنموذجاً معبراً عن أرباب الاتجاه العلماني الرافض للدين ومصادره التشريعية . ومؤلفاته – في هذا الشأن – كثيرة ، أهمها : « تجديد الفكر العربي » ، و « ثقافتنا في مواجهة العصر » . الفقه الاجتهادي الإسلامي بين عبقرية السلف ومآخذ ناقديه ، عبد العظيم إبراهيم المطعني . القاهرة ، مكتبة وهبة . ص 10 – 11 .
[4] – ممن قال بذلك سلامة موسى ولويس عوض، وهما مسيحيان، وقال به بعض الماركسيين المنتمين للإسلام ، مثل : يوسف إدريس الذي وصف كتاب الله تعالى بأنه « كتاب متخلف » [ حاشا كتاب الله تعالى ] ، وفسر معنى التخلف بأنه كتاب صلح للزمان والمكان اللذين أنزل فيهما . نُشر هذا الكلام في مجلة أكتوبر المصرية في أواخر السبعينات . نقلا عن الفقه الاجتهادي للمطعني ص 20 .
[5] – المائدة من الآية 48 .
[6] – هذا ما ذهب إليه زكي نجيب محمود في مقال له نُشر في صحيفة الأهرام في أواسط السبعينات . نقلا عن الفقه الاجتهادي ، المطعني ص 12 .
[7] – العالمية الإسلامية الثانية ، أبو القاسم حاج حمد . بيروت، دار ابن حزم. ط: 2. (1996م). 2/496-497 .
[8] – النساء 105 .
[9] – النحل 64 .
[10] – الحديد 25 .
[11] – صدر الكتاب عام (1899م) .
[12] – «تحرير المرأة لقاسم أمين ص59» . نقلا عن : الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ، محمد محمد حسين .1/294 . ولا أدري كيف غابت عن قاسم أمين الآيات الصريحة في الموضوع مثل قوله تعالى: } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ { (الأحزاب:59) .
[13] – النور 30 – 31 .
[14] – الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر. 1/295.
[15] – جاء في تفسير الآية } ولا يبدين زينتهن… { : الزينة ما تزينت به المرأة من حلي ، أو كحل أو خضاب ، والمعنى : ولا يظهرن مواضع الزينة؛ إذ إظهار عين الزينة – وهي الحلي ونحوها – مباح ، فالمراد بها مواضعها ، أو إظهارها وهي في مواضعها لإظهار مواضعها لا لإظهار أعيانها . ومواضعها : الرأس، والأذن، والعنق، والصدر، والعضدان، والذراع، والساق… تفسير النسفي 2/500.
[16] – ظهر هذا الكتاب سنة واحدة بعد صدور كتاب «تحرير المرأة» .
[17] – الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر . 1/302 .
[18] – كما هو الشأن في الفلسفات الإلحادية التي وجدت لها منظرين كباراً كان لهم أثر كبير في ساحة الفكر والسياسة؛ فقامت على أفكارهم ومبادئهم تنظيمات استطاعت أن تصل إلى الحكم وتؤسس دولا كبرى. مثل هيجل وماركس ولينين… وغيرهم .
[19] – المعروف عن قاسم أمين أنه ليس ذا إلمام بالعلوم الإسلامية، حتى إنه شاع نسبة كتاب «تحرير المرأة» إلى أستاذه محمد عبده. الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر 1/301 . والذي أراه أن المقصود بنسبة الكتاب هنا إلى أستاذه محمد عبده، هو نسبة ما جاء فيه من أفكار على العموم؛ لأنه لم يُعرف عن الإمام محمد عبده كل هذا الشطط في مخالفة النصوص الصريحة وإِِنْ أخذ عليه البعض منهجه في تفسيره لكثير من الآيات القرآنية .
[20] – «المرأة الجديدة لقاسم أمين(185-186) » ، نقلا عن الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ، 1/310 .
[21] – من أهم الردود عليه : «تحت راية القرآن» أو «المعركة بين القديم والجديد»، لمصطفى صادق الرافعي، و«نقض كتاب في الشعر الجاهلي» لمحمد الخضر حسين، و«محاضرات في بيان الأخطاء العلمية التي اشتمل عليها في كتاب الشعر الجاهلي» للشيخ محمد الخضري ، و «الشهاب الراصد» لمحمد لطفي جمعة …
[22] – أحيل الكاتب والكتاب إلى المحكمة ، وصدر الحكم بمصادرة الكتاب وطرد الكاتب من الجامعة التي كان يتولى فيها عمادة كلية الآداب.
[23] – الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ، محمد البهي ، القاهرة ، مكتبة وهبة . ط: 12 . (1411هـ/1991م) . ص 177-195 .
[24] – « في الشعر الجاهلي لطه حسين ص 26 »، نقلا عن كتاب: طه حسين بين الشك والاعتقاد، كامل محمد محمد عويضة. بيـروت، دار الكتب العلمية. ط: 1. (1414هـ /1994م) . ص 82؛ والاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر 2/299.
[25] – طه حسين بين الشك والاعتقاد ص 83 .
[26] – قوله تعالى : } وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ{ (المائدة: من الآية82)
[27] – طه حسين بين الشك والاعتقاد . ص 91 .
[28] – « في الشعر الجاهلي » ، نقلا عن الفكر الإسلامي المعاصر دراسة وتقويم ، غازي التوبة . بيروت ، دار القلم . ط: 7 . (1977م) ص 87 .
[29] – « في الشعر الجاهلي » ، نقلا عن : الماركسلامية والقرآن ، محمد صياح المعراوي . ص 26 .
[30] – م س . ص 26 .
[31] – الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر . 2/300- 301 .
[32] – الماركسلامية والقرآن ، المعراوي .ص 304 .
[33] – هود 13 .
[34] – البقرة 23 .
[35] – يونس 38 .
[36] – الماركسلامية ، المعراوي . ص 305 .
[37] – فرض (مرجليوت) عن الشعر الجاهلي ظهر في سنة (1925م) في إحدى المجلات الاستشراقية، وفي سنة (1926م) نشر طه حسين كتابه المشهور «في الشعر الجاهلي».
[38] – مرجليوت : دافيد صمويل مرجليوت ( 1858 – 1940م).( D.S.MARGOLIOUTH ): درس بأكسفورد الآداب الكلاسيكية ثم اللغات السامية، وعُيِّن أستاذاً بها سنة (1889م). له عدة مؤلفات عن الإسلام، مثل: «محمد والإسلام»، و«الإسلام». لكن تميزت دراساته بالتعصب والبعد عن المعايير العلمية مما أثار عليه سخطا كبيرا عند المسلمين، بل حتى عند بعض المستشرقين. من أعماله: نشر كتاب «معجم الأدباء» لياقوت، و«رسائل أبي العلاء»، و«نشوار المحاضرة» للتنوخي. موسوعة المستشرقين ، عبد الرحمن بدوي. بيروت، دار العلم للملايين.ط:1 (1984م) ص 379 .
[39] – هاملتون ألكسندر جب (1895 – 1971م) (HAMILTON ALEXANDER GIIB ) : مستشرق إنجليزي، ولد في الإسكندرية بمصر، وتلقى تعليمه في اسكتلنده. تخصص في اللغات السامية، وبعد وفاة سير توماس أرلوند سنة (1930م) خلفه على كرسي اللغة العربية في جامعة لندن وعلى التحرير في دائرة المعارف الإسلامية. ثم في سنة 1957 تولى إدارة مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأمريكية. نال جب شهرة تفوق قيمته العلمية لأسباب بعيدة عن العلم. وقد توزع إنتاجه بين الأدب العربي والأفكار السياسية الدينية في الإسلام. من مؤلفاته: «فتوح العرب في آسيا الوسطى»، «ترجمة تاريخ دمشق لابن القلانيسي» إلى الإنجليزية، «المحمدية»، «الاتجاهات الحديثة في الإسلام» . م س . ص 105 .
[40] – فصول في فقه العربية، رمضان عبد التواب. القاهرة، مكتبة الخانجي. ط: 6. (1420هـ/1999م). ص 64-68؛ و الماركسلامية والقرآن ، المعراوي . ص 29 ؛ والفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص 177 .
[41] – حسن حنفي : من مواليد (1935م) بمصر، مفكر ماركسي، درس في القاهرة ثم غادر إلى فرنسا لمواصلة الدكتوراه في الفلسفة وأعد أطروحته حول أصول الفقه «مناهج التأويل في علم أصول الفقه» ، ثم كتب رسالته الثانية في الفكر الأوربي «تفسير الظاهريات» و«ظاهريات التفسير»، ثم عاد بعد ذلك أستاذا بالجامعة في سنة 1967م، وانتقل أستاذاً زائراً في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأ كتابة مؤلفه« من العقيدة إلى الثورة » ، وقد تعرف على الفلسفة اليهودية والإنجليزية . تنقل في عدة بلدان من العالم مدرساً ومحاضراً، ولديه مشروع فكري إصلاحي ضخم أطلق عليه « التراث والتجديد » . لا يزال مرتبطا بمؤسسات علمية وجامعية مثل: «الجمعية الفلسفية المصرية» . الفكر الإسلامي المعاصر مراجعات تقويمية ( حوار مع حسن حنفي بعنوان “التراث والتجديد”) تحرير وحوار: عبد الجبار الرفاعي . دمشق ، دار الفكر . ط: 1 . (1421هـ/2000م) . ص 213.
[42] – التراث والتجديد ، حسن حنفي . ص 25 .
[43] – الفكر الإسلامي المعاصر (حوار مع حسن حنفي) ، عبد الجبار الرفاعي . ص 220 .
[44] – م س .
[45] – أُنجز من هذا المشروع عدة أقسام ولا زال صاحبه يواصل إنجاز ما تبقى منه. م س. 219.
[46] – م. س. ص222 .
[47] – م س ؛ ومقال « نحو تنوير عربي جديد » ، حسن حنفي . مجلة عالم الفكر . الكويت. السنة : (2001م) المجلد 29 عدد 3 ص 86 .
[48]– الفكر الإسلامي المعاصر ، الرفاعي . ص 222 .
[49] – مقال « نحو علم كلام جديد » حسن حنفي . مجلة إبداع ، الهيئة المصرية العامة للكتاب. السنة:9 عدد:8 (محرم 1412هـ/أغسطس 1991م) . ص 115 .
[50] – «نحو علم كلام جديد»، حنفي. ص 116 .
[51] – « نحو تنوير عربي جديد » (مقال) ، حسن حنفي . عالم الفكر .ص 87- 88 .
[52] – (مذبحة التراث ، جورج طرابيشي . بيروت، دار الساقي . ص 10 ) نقلا عن : الماركسلامية، المعراوي ص 323.
[53] – التراث والتجديد ، حسن حنفي . ص 24 – 25 .
[54] – م. س. ص 94 .
[55] – م. س .
[56] – م.س. ص 96 .
[57] – م. س. ص 101 – 102 .
[58] – م. س. ص 103 .
[59] – م. س. ص 104 .
[60] – م. س .
[61] – م. س. ص 93 .
[62] – « نقد كتاب التراث والجديد للدكتور حسن حنفي » (مقال) ، محمد عمارة . مجلة المسلم المعاصر.لبنان، مؤسسة المسلم المعاصر عدد 77. ص209.
[63] – التراث والتجديد . ص 53 .
[64] – ويقصد بمستوى التحليل : «المنظور الذي ينظر منه إلى التراث، وهو لا يتم إلا برؤيا معاصرة» . التراث والتجديد. ص112.
[65] – يقول في تحديده للشعور : « والشعور مستوى أخص من الإنسان، وأهم من العقل، وأدق من القلب، وأكثر حياداً من الوعي، يكشف عن مستوى حديث للتحليل موجود ضمناً داخل العلوم التقليدية نفسها، ولكن نظراً لظروف نشأتها لم يوضع في مكان الصدارة، ولم تعط لـه الأولوية الواجبة، ولكن يفهم ضمنا، ويقرأ فيما بين السطور » التراث والتجديد. ص112.
[66] – م.س. ص 113 – 114 .
[67] – م.س . ص 115 .
[68] – سبأ 28 .
[69]– النحل 44 .
[70] – المستصفى ، الغزالي . 2/62 .
[71] – خلافة الإنسان بين الوحي والعقل ، عبد المجيد النجار. الولايات المتحدة الأمريكية ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي. ط: 3. (1420هـ/2000م). ص 108 – 110 .
[72]– «نحو تنوير عربي جديد» (مقال) ، حسن حنفي .عالم الفكر ، مجلد 29 ،عدد 3 ص 88 .
[73] – خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، النجار. ص 111.
[74] – التراث والتجديد . ص 54 – 55 .
[75] – قضايا إسلامية بين الفهم والتطبيق (العقل والقلب بين الغيب والشهود)، عبد الكريم مطيع الحمداوي. ط:1 . (1417هـ/1996م). ص 80.
[76] – مزيد من التفصيل يأتي في حلقة لاحقة بإذن الله.وفيها بيان لقضية المنهج الإسلامي في المعرفة.